إدارة الشئون الفنية
الراحمون يرحمهم الرحمن

الراحمون يرحمهم الرحمن

17 نوفمبر 2023

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 3 من جمادى الأولى 1445هـ الموافق 17 / 11 / 2023م

الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَعَدَّ لِلْمُحْسِنِينَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارًا، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ أَطْوَارًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَقُدْوَةً لِلْعَامِلِينَ، فَرَحِمَ الْخَلْقَ صِغَارًا وَكِبَارًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ دَعَوْا إِلَى دِينِ الرَّحْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَإِعْلَانًا وَإِسْرَارًا، وَسَلَّمَ تَسَلِيمًا كَثِيرًا مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وَتَلَأْلَأَتِ السَّمَاءُ ضِيَاءً وَأَنْوَارًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَارْحَمُوا - عِبَادَ اللهِ - إِخْوَانَكُمُ الضُّعَفَاءَ وَالْمَنْكُوبِينَ؛ فَإِنَّ اللهَ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الحديد:28].

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الَّذِينَ ضَعُفُوا بَعْدَ قُوَّةٍ، وَعَجَزُوا مِنْ بَعْدِ قُدْرَةٍ، وَتَغَيَّرَتْ بِهِمُ الْأَحْوَالُ، وَاجْتَاحَتْهُمُ الْمِحَنُ وَالِابْتِلَاءَاتُ، يَحْتَاجُونَ إِلَى الْمَعُونَةِ، وَيَفْتَقِرُونَ إِلَى الْمُسَاعَدَةِ، تُسْعِدُهُمُ اللَّمْسَةُ الْحَانِيَةُ، وَتُثْلِجُ صُدُورَهُمُ الْمُعَامَلَةُ الْحَسَنَةُ، وَتَطْمَئِنُّ نُفُوسُهُمْ إِلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّـبَةِ، وَتَقْضِي حَوَائِجَهُمْ مَا تُنْفِقُونَ وَتَتَصَدَّقُونَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى. فَلَمْ تَعْرِفْ مِلَّةٌ مِنَ الْمِلَلِ، وَلَا نِحْلَةٌ مِنَ النِّحَلِ؛ الرِّفْقَ بِالضُّعَفَاءِ، وَالْعَطْفَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ، كَمَا عَرَفَهُ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ تُمَارِسِ الرَّحْمَةَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ، وَلَا شَعْبٌ مِنَ الشُّعُوبِ مَا مَارَسَتْهُ أُمَّةُ الْإِسْلَامِ، فَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ عَامَّةً، وَإِلَى الضُّعَفَاءِ خَاصَّةً، بِتَوْقِيرِ الْكَبِيرِ، وَالرَّحْمَةِ بِالصَّغِيرِ، وَالْعَطْفِ عَلَى الْفَقِيرِ؛ فَفِي صَدْرِ الدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ الْتَفَّ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْحَالِ، وَقَلِيلِي الْمَالِ، جَاؤُوا مِنْ أَقْوَامٍ شَتَّى فَآمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ، فَأَبَى أَهْلُ الْفَخْرِ وَأَرْبَابُ الْكِبْرِ مِنْ كُفَّارِ الْعَرَبِ أَنْ يُجَالِسُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مَعَهُ، وَأَغْرَوْهُ أَنْ يَطْرُدَهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِ، فَمَاذَا كَانَ؟؛ رَوَى مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ( [الأنعام:52]).

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

إِنَّ الْعَطْفَ وَالرَّحْمَةَ، وَالشَّفَقَةَ وَالرَّأْفَةَ؛ لَمِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْحَمُونَ الْيَتِيمَ، وَيَعْطِفُونَ عَلَى الْمِسْكِينِ، وَيَسْعَوْنَ عَلَى الْأَرْمَلَةِ، وَيَمْشُونَ فِي حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ، جَعَلُوا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَهُمُ الَّذِينَ طَمِعُوا أَنْ يَكُونُوا أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ بِنَفْعِهِمْ لِخَلْقِ اللهِ، وَأَصْغَوْا إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَعَمَلًا: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَـكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا...» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].

عِبَادَ اللهِ:

مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْتَاجُونَ إِلَى الرَّأْفَةِ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَيَسْتَحِقُّونَ الْعَطْفَ وَالْإِحْسَانَ، إِنَّهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَأَهْلُ الْبَلَاءِ الَّذِينَ نَأَتْ بِهِمُ الْحَاجَةُ، وَنَزَلَتْ بِهِمُ الْفَاقَةُ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ إِذْ كَانَ يَحْنُو عَلَيْهِمْ، فَيَقْضِي حَوَائِجَهُمْ، وَيُطْعِمُ جَائِعَهُمْ، وَيَكْسُو عَارِيَهُمْ، وَيَرْعَى شُؤُونَهُمْ، وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَهُمْ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: «فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي ، فَأَتَى قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ]. وَمِنْ ذَلِكَ: رِعَايَةُ حُقُوقِ الْعُمَّالِ وَالْمُسْتَأْجَرِينَ، لَا يَحِلُّ هَضْمُهَا، وَلَا يَجُوزُ تَضْيِيعُهَا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:

 وَقَدْ بَلَغَ مِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِالضُّعَفَاءِ أَنْ أَوْصَى بِالصِّغَارِ وَالْيَتَامَى وَالنِّسَاءِ خَيْرًا، وَحَثَّ عَلَى رِعَايَتِهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَعَدَّ رِعَايَتَهُمَ وَتَرْكَ أَذِيَّتِهِمْ مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ؛ فَالْيَتِيمُ لَا يُقْهَرُ وَلَا يُذَلُّ، بَلْ يُكْرَمُ وَيُجَلُّ، وَالْمَرْأَةُ تُرْحَمُ أُنُوثَتُهَا وَتُكْرَمُ، وَالصَّغِيرُ يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَيُرْحَمُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ( [الضحى:9]، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ]. وَمَعْنَى أُحَرِّجُ: أُلْحِقُ الْحَرَجَ، وَهُوَ الْإِثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُمَا.

أَقُولُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، ذِي الْعَفْوِ وَالْفَضْلِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَسَّرَ لِعِبَادِهِ سُبُلَ الطَّاعَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا مَا تَوَالَى النَيِّرَانِ وَتَعَاقَبَ الْجَدِيدَانِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ سَعِدَ، وَفَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا وُعِدَ، وَتَجَمَّلُوا بِصِفَاتِ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ )وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( [البقرة:195].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

وَلْنَعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الضُّعَفَاءِ وَمَدَّ يَدِ الْعَوْنِ لِلْمُحَتَاجِينَ سَبَبٌ فِي النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَاسْتِدْرَارٌ لِرِزْقِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَقَدْ قَالَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَمَنْ رَحِمَ الضَّعِيفَ أَلَانَ اللهُ قَلْبَهُ وَأَدْرَكَ حَاجَتَهُ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ يَشَكُو قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ: يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ» ]رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ[.

وَلْنَحْذَرِ الْإِسَاءَةَ إِلَى الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسِنِّينَ؛ فَكَمَا أَنَّ ثَوَابَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ عَظِيمٌ، فَكَذَلِكَ عِقَابُ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمْ أَلِيمٌ؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ: «أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟» قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ يَدَيْهِ تَحْتَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟!» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ].

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ:

إِنَّ أَهْلَنَا فِي فِلَسْطِينَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمَصَائِبِ مَا تَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ الْجِبَالُ، وَتَخِرُّ تَحْتَ وَطْأَتِهِ هِمَمُ عَظَائِمِ الرِّجَالِ؛ وَيُجَاهِدُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ وَعَزْمٍ وَإِيمَانٍ؛ فَقُوَى الظُّلْمِ وَالظَّلَامِ مِنَ الصَّهَايِنَةِ وَأَعْوَانِهِمْ، تُمَارِسُ بِحَقِّ أَهْلِنَا فِي غَزَّةَ أَقْسَى أَنْوَاعِ الْبَطْشِ وَالْقَتْلِ وَالتَّشْرِيدِ وَالتَّهْجِيرِ، دُونَ رَادِعٍ دِينِيٍّ أَوْ وَازِعٍ إِنْسَانِيٍّ، وَأَصْبَحَتْ نُصْرَتُهُمْ وَمُسَاعَدَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ قَادِرٍ، وَلْنَكُنْ جَمِيعًا عَلَى دِرَايَةٍ تَامَّةٍ، وَوَعْيٍ أَكِيدٍ بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّبُلِ السَّدِيدَةِ فِي حَالِ رَغِبَ أَحَدُنَا بِالتَّبَرُّعِ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ خِلَالِ الِالْتِزَامِ بِالنِّظَامِ وَالْقَوَانِينِ الْمَعْمُولِ بِهَا، وَتَقْدِيمِ التَّبَرُّعَاتِ إِلَى الْجِهَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي دَوْلَةِ الْكُوَيْتِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَإِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا، اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِناً فَزِدْ لَهُ فِي حَسَنَاتِهِ، وَمَنْ كَانَ مُسِيئاً فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَجُنْدَكَ الْمُرَابِطِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني